كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في ذكرى يوم الولاية 1441هـ 08-08-2020
2020-08-08

'كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في ذكرى يوم الولاية 1441هـ 08-08-2020'

أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ ألا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

ومباركٌ لكم بهذه المناسبة المباركة: مناسبة يوم الغدير، يوم الولاية، اليوم الذي أعلن فيه رسول الله- صلى الله وسلم عليه وعلى آله- ولاية أمير المؤمنين عليًّا -عليه السلام-، اليوم الذي نزل فيه قول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم قوله جلَّ شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: من الآية3]، هذا اليوم المبارك جديرٌ بنا أن نحتفل به، وأن نبتهج به، وأن نفرح بهذه المناسبة العظيمة والدينية المباركة، وشعبنا احتفل بهذه المناسبة في هذا اليوم كما في كل عام ضمن موروثه الإيماني والديني الذي حافظ عليه، ويحافظ عليه في المستقبل إن شاء الله. كما نبارك أيضاً لكل إخوتنا المؤمنين والمؤمنات بهذه المناسبة في عموم أقطار الأرض، وكل المحتفلين بها في مختلف البلدان.

هذا اليوم المبارك، وهذه المناسبة العظيمة لها أهميتها الكبيرة بالنظر إلى موقعها في الدين، وبالنظر إلى علاقتها بواقع الأمة، وهذا ما ينبغي أن ننظر من خلاله إلى هذه المناسبة، بعيداً عن النظرة المشوهة التي سعى البعض من قوى الضلال لرسمها عن هذه المناسبة؛ بغية تشويه هذه المناسبة العظيمة والمهمة، فماذا تعنيه هذه المناسبة؟

عندما نعود إلى النصوص القرآنية، ونعود إلى النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في بلاغه العظيم الذي بلَّغه في هذا اليوم، سنجد الأهمية- كما قلنا- بالنظر إلى موقع هذه المسألة في الدين، وبالنظر إلى علاقتها بواقعنا نحن المسلمين.

النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في آخر السنة العاشرة للهجرة- يعني: ما قبل وفاته بأقل من ثلاثة أشهر- حج حجة الوداع، وحجة الوداع سميت بهذا الاسم؛ لأن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ودَّع فيها أمته، وأشعر أمته بقرب رحيله من هذه الحياة، وبقرب انتقاله إلى جوار ربه، وهذه مسألة مهمة جدًّا، ذات أهمية كبيرة، ومقلقة بشكلٍ كبير للأمة؛ بالنظر إلى ما بعد ذلك: بالنظر إلى مستوى الفراغ الكبير والخطير الذي يمكن أن يتركه النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- من بعده، فبالتأكيد سيكون من أهم ما يقدَّم في هذه المناسبة، في هذا الحج (في حجة الوداع)، وبالذات والنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- استدعى المسلمين للنفير إلى هذا الحج، وأرسل رسلاً إلى مختلف البلدان الإسلامية يدعوهم إلى الحج، فمن كان يستطيع الحج، فمن المهم أن يحج في ذلك العام؛ للأهمية القصوى، فكلما كان سيقدم في هذه الحجة، بالتأكيد له أهمية كبيرة لمستقبل الأمة، ولما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، لكل ما لذلك من أهميةٍ من جانب، وخطورةٍ كبيرةٍ وقلقٍ كبير من جانبٍ آخر.

عندما حج النبي -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- إلى حجة الوداع، قام في أداء مناسكه في الحج بأداء الكثير من البلاغات والإعلانات المهمة المتعلقة بهذه الأمة في دينها وفي حياتها، ثم عاد من الحج، ووصل إلى وادٍ بين مكة والمدينة، وادي خم، بالقرب من غدير ماء، فسمِّي بغدير خم، وعندما وصل إلى هذه المنطقة ولا زالت قريبةً من مكة أقرب منها إلى المدينة، وقبل افتراق الحجاج، قبل مفترق الطرق، ما بعد ذلك سيصل الحجاج إلى مفترق الطرق بالنسبة لوجهات بلدانهم، فالنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- عندما وصل إلى هذه المنطقة نزل عليه قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: الآية67]، آيةٌ عجيبة، ومحتواها مهمٌ وعظيمٌ وكبير، وأتت في المرحلة الأخيرة من حياة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ما قبل وفاته بأقل من ثلاثة أشهر.

من المهم بالنسبة لكل مسلم أن يدرك أنَّ هذه الآية المباركة بتعبيرها الواضح تدل على أمرٍ في غاية الأهمية، أهميته جوهرية، تتعلق بالدين بكله، بفاعلية الدين بكله، بضمان استمرارية الرسالة الإلهية بشكلها الصحيح والتام على مدى الأجيال، ومدى فاعليتها في واقع الأمة، أمرٌ كهذا لا شك أنه في غاية الأهمية، مهما تجاهله الكثير من الناس، ومهما- كذلك- تأثر البعض بحجم الدعاية المضادة لهذه المناسبة، ولهذه الآية المباركة في مضمونها المهم، ومهما حاول البعض أن يتحايل في تقديم المفهوم لهذا المضمون المهم للآية المباركة، الحقائق الدامغة المتعلقة بهذه الآية المباركة في مضمونها الصحيح تدحض كل التحايلات، وكل التلفيقات، وكل التأويلات الزائفة، لماذا؟ لأن هذه الآية المباركة أتت في آخر حياة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، وحتى في مضمون النص القرآني في الآية: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، الرسالة على المستوى العقائدي، على مستوى الأحكام الشرعية، على المستوى الأخلاقي، على مستوى الجوانب التربوية وغيرها، البرنامج العام التفصيلي قد بُلِّغ من جانب النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، العلاقات والمواقف من القوى الأخرى قد بُلِّغت، وترتب على تبليغها مواقف عملية، حاول البعض أن يتحيل وأن يلفق أنَّ المقصود بهذا البلاغ الموقف من اليهود.

تعال إلى السيرة النبوية، عندما نزلت هذه الآية ما الذي كان قد تم في الصراع مع اليهود؟ كان النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- قد اتخذ المواقف الحاسمة تجاه اليهود في مؤامراتهم على الإسلام، على مستوى التبليغ نزلت الآيات الكثيرة التي تفضحهم، تكشف مكرهم، وكيدهم، وتضليلهم، وخطورتهم، وتوبخهم، وآيات تلعنهم، وعلى مستوى المواقف العملية، دخل في حروبٍ معهم، منهم من طردوا بشكلٍ كامل من الجزيرة العربية آنذاك، ومنهم من خنعوا وخضعوا صاغرين لهيمنة الإسلام، ودفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، ومنهم أيضاً من قتلوا، الموقف كذلك من النصارى الذين حاربوا رسول الله وحاربوا الإسلام، كان قد اتخذ على مستوى الآيات القرآنية التي نزلت بهذا الشأن وأعلنت، على مستوى المواقف العملية التي ترتبت على ذلك، كل هذا كان قد بُلِّغ، وكل هذا كانت قد ارتبطت بعملية تبليغه مواقف عملية، فإذاً هناك شيءٌ آخر، شيءٌ أهميته ليست فقط لتلك المرحلة، وإنما لمستقبل الأمة، لمستقبل الرسالة الإلهية في ضمان استمراريتها في مضمونها بشكلٍ صحيح، وفي عملية تطبيقها بشكلٍ صحيح، هذا هو الموضوع المهم.

ولأهمية هذا البلاغ، ولحساسيته البالغة والكبيرة في واقع الناس، أتى أيضاً ما يشير إلى ذلك، أو يتحدث بوضوحٍ عن ذلك في قوله جلَّ شأنه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وبشكلٍ استثنائي، وفي هذا الموقع بالذات يأتي هذا النص المبارك: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، الذي يشير بوضوح إلى مدى حساسية هذه المسألة في واقع الناس، وأنها ترتبط بأمرٍ حساس على المستوى العام، وليس فقط- ربما- عند فئة من الفئات المحاربة للإسلام، بل لها حساسيتها الواضحة حتى داخل المجتمع الإسلامي، داخل البيئة الإسلامية، عندما يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، تفيد هذه الآية المباركة هذه الحساسية الشاملة التي تدخل حتى إلى داخل المجتمع المسلم.

ثم إنَّ هذا البلاغ في تلك المرحلة المعروفة، وميدان هذا البلاغ كان هو الوسط الإسلامي، بَلِّغ مَنْ؟ بَلِّغ الكافرين، أو بَلِّغ اليهود، أو بَلِّغ مَنْ؟ كان هذا البلاغ ميدانه وساحته هو المجتمع المسلم، وبَلَّغه في أوساط المجتمع المسلم، والمناسبة معروفة، تحدثت عنها كتب الأمة في تراثها التاريخي والحديثي.

ولأهمية هذه المسألة ولحساسيتها الكبيرة، يتضح الأهمية الكبرى لهذه المناسبة، ويتضح الأهمية الكبرى لتكرار هذا الإعلان وإبلاغه للأجيال في كل عام، والصدع به، والشهادة للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- بإبلاغه، هذه كلها مسائل ذات أهمية كبيرة، فننظر إلى هذه المسألة من كل هذه الجوانب: بحسب موقعها في الدين الذي تفيده هذه الآية المباركة بوضوح، بحسب علاقتها بالأمة، وهذا أيضاً واضح، وسنتحدث عنه أكثر في هذه الكلمة إن شاء الله، وباعتبار حساسيته التي تدفع بعض قوى الضلال، وبعض القوى التي تأثرت بها إلى المحاربة الشرسة لهذه المناسبة، وللحديث عن هذا الموضوع، ولسعيها الكبير لمواجهة هذا المبدأ المهم الذي احتواه هذا البلاغ بكل ما أوتيت من قوة، وبسعيها الكبير للتلبيس والتضليل بشأن هذه المسألة ذات الأهمية الكبيرة للأمة.

هذا الموضوع بالنظر إلى أهميته من جانب، وحساسيته من جانب، لا بدَّ فيه من الإيمان، لا بدَّ فيه من التقوى، لا بدَّ فيه من النظرة الموضوعية المجرَّدة من الحساسيات، لا بدَّ فيه من أن يتجه الإنسان وهو يعتمد على الله -سبحانه وتعالى-، يرجو هدايته، ويرجو توفيقه؛ حتى لا يتأثر بحالة التشويش التي تأتي من هنا أو هناك، والتي وراءها بعض قوى الضلال، التي تظهر حساسيةً شديدةً وبالغة، وصداً كبيراً عن هذا الموضوع.

القرآن الكريم كتاب الله فيه الهدى والنور، ونصوصه المباركة- إن تأمل فيها الإنسان- فيها الهداية الكافية، أليس في قوله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية المباركة: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، هداية واضحة عن الأهمية القصوى لهذا الأمر الذي كُلِّف بإبلاغه، والذي نزلت عليه هذه الآية المباركة بهذه العبارات القوية المؤكدة المشددة في أهمية هذه المسألة، وأهمية تبليغ هذه المسألة؟ بلى، {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، والله يعلم أنَّ البعض سيكون لهم موقف الرفض لهذه المسألة بشكلٍ تام، ولهذا قال في آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، الكفر هنا في مثل ما ورد في قوله -سبحانه وتعالى- في الحديث عن فريضة الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران: من الآية97]، يأتي الكفر في المقام العملي بمعنى الرفض للمسألة، والسعي للتنصل منها بشكلٍ تام.

ثم أنَّ النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بعدما نزلت عليه هذه الآية المباركة والعظيمة والمهمة، وقدَّمت هذا الموضوع بهذه الأهمية القصوى، تحرك -صلوات الله عليه وعلى آله- لتنفيذ ما تضمنته هذه الآية المباركة من الأمر الإلهي الموجه إليه: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، وكذلك حرص على أن تكون عملية تبليغه بما يناسب أهمية الموضوع، وهذا جزءٌ من مسؤوليته في أدائه لرسالة ربه: أن يحرص على أن يتعامل مع الموضوع بحجمه، بمستوى أهميته، وأن يقدِّمه كما ينبغي، هذه تدخل ضمن العملية التبليغية بالنسبة له -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-؛ ولذلك فهو -صلوات الله عليه وعلى آله- تعامل مع المسألة بأهميةٍ كبيرة، واتخذ اجراءات تساعد على ذلك، وتقدِّم هذا البلاغ بهذه الكيفية التي تعبِّر عن أهميته القصوى: عقد اجتماعاً طارئاً في المنطقة نفسها، وأوقف كل الحجاج الذين كانوا برفقته، من كانوا في مقدِّمة القافلة أعيدوا، وانتظر الآخرين حتى وصلوا واكتمل الجمع، ثم عقد هذا الاجتماع الطارئ والاستثنائي والكبير والمهم، وأدرك الكل أنَّ هناك مسألة مهمة، عُقِدَ لها هذا الاجتماع الطارئ والاستثنائي والمهم، اجتمع الكل، ورصت أقتاب الإبل للنبي- صلوات الله عليه وعلى آله-؛ لتكون منصةً يصعد فوقها، ويوجِّه الخطاب من فوقها، وفي رص أقتاب الإبل ما يشهد أيضاً بأن هذا الاجتماع حضره جمعٌ كبير، بحيث كانت أقتاب الإبل التي يستخدموها للركوب على الإبل كبيرةً، وبني من خلالها منصة مرتفعة وعالية، حتى هذا الإجراء هو إجراءٌ مقصود، وفيه ما يشهد للنبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ويشهد أنَّ الحضور كان كبيراً، ولذلك لم يختر أشياء أخرى أو بدائل أخرى.

رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- صعد فوق أقتاب الإبل، بعد أن بنيت كمنصة مرتفعة، وأصعد معه عليًّا -عليه السلام-، وخطب خطاباً مهماً، والكل مصغٍ، والكل مركِّز؛ لأن الاجتماع وتوقيف عملية السفر والسير لهذا الاجتماع ولهذا البلاغ كانت على النحو الذي يساعد على لفت الأنظار، وعلى التركيز، وعلى الالتفات إلى ما الذي سيقدَّم في هذا البلاغ. خطب خطاباً مهماً وعظيماً، وأشار فيه أيضاً إلى أنه على وشك الرحيل من هذه الحياة، عندما وصل إلى الموضوع الرئيسي، قال وأخذ بيد عليٍّ -عليه السلام-: (يا أيُّها الناس: إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)، أخذ بيد عليٍّ -عليه السلام-، (فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، وكان هذا هو الموضوع الرئيسي لهذا الخطاب، وكان هو بذاته البلاغ المقصود في الآية المباركة في قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وهذا يلفت نظرنا إلى أهمية المسألة، أنَّ لها هذه الأهمية الكبيرة جدًّا، أيضاً أتى بعد ذلك، بعد أن نزل من الخطاب من فوق هذه المنصة، وقبل مغادرة المكان نفسه، نزل نصٌ قرآنيٌ آخر، وهو قوله -سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

عندما ننظر إلى هذا البلاغ في محتواه الذي أعلنه الرسول من فوق أقتاب الإبل، (يا أيُّها الناس: إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، إلى موقعه بين الآيتين المباركتين: الآية التي نزلت قبله وأمرت بتبليغه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، والآية التي نزلت ما بعده: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، ندرك الأهمية الكبيرة جدًّا لهذا النص، لهذا البلاغ، ولكن تحتاج إلى تفهم، إلى تأمل، بالنظر إلى حجم الدعاية المضادة، إلى حجم عملية التضليل التي حاولت بها قوى الضلال وفئات الضلال أن تتصدى لهذه المسألة، بالرغم من الإقرار بها في تراث الأمة، بالرغم من أنَّ تراث الأمة على المستوى الحديثي والتاريخي احتواها بشكلٍ كبير.

نجد أيضاً في آية الولاية، وآية الولاية هي تتطابق مع البلاغ نفسه، فهو مصداقٌ لها أيضاً، والتي وردت في سورة المائدة أيضاً، في قوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 55-56]، نجد أيضاً تقديم هذه المسألة وهي قدِّمت بالمعايير والمواصفات الإيمانية العظيمة، المعايير الإلهية المهمة، نجد أيضاً أنَّ الموضوع له أهميته الكبيرة في موقعه في الدين، وفي علاقته بالأمة، في قوله -سبحانه وتعالى-: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، فالمسألة هي في غاية الأهمية، عنوانها الولاية، ولاية الله -سبحانه وتعالى-، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، وفي الحديث النبوي: (إنَّ الله مولاي)، ولاية الله -سبحانه وتعالى- هي العنوان المهم الذي يجب أن نستوعبه جيداً، وأن نبني فهمنا لهذا الموضوع على أساس ما ورد في القرآن الكريم؛ لأن المسألة في غاية الأهمية على مستوى الدين، وعلى مستوى الواقع الذي تعيشه الأمة.

الله -سبحانه وتعالى- هو ولينا، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، وولاية الله -سبحانه وتعالى- على عباده هي ولايةٌ شاملة كاملة مطلقة، ليس فيها استثناءات، وليس لها حدود معينة تقتصر على جوانب معينة، ثم تحذف عن جوانب أخرى، هو ولي هذا العالم، هو رب هذا العالم، هو الذي خلق، هو الذي فطر، هو المدبِّر، هو المسخِّر، هو جلَّ شأنه الملك لهذا العالم بكله كائناته وموجوداته، والمدبِّر لشؤون عباده، فولايته كما تشمل الجوانب التكوينية، هي تشمل الجوانب الأخرى في واقعنا أيضاً نحن البشر، فيما يتعلق بالجانب التشريعي، وفيما يتعلق بمسيرة حياتنا، في إدارة شؤون حياتنا؛ لأننا كأمةٍ مسلمة، وكأمة تنتمي للإسلام وللإيمان، نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من هديه، من تعليماته، من توجيهاته، وصلتنا به -سبحانه وتعالى- لا تقتصر فقط على الرعاية المادية، أننا نلتجئ إليه -سبحانه وتعالى- ليرزقنا، وليشفي مرضانا، ولنحصل منه على بعض الأمور المادية، وعلى الرعاية المادية، المسألة أنَّ إيماننا وانتماءنا الديني يحتم علينا أن نبني مسيرة حياتنا في كل مجالاتها على أساسٍ من هديه، على أساسٍ من توجيهاته من تعليماته، وهذه الصلة الإيمانية والصلة الدينية هي التي تربطنا بولاية الله -سبحانه وتعالى- في واقع حياتنا، وفي شؤوننا وأمورنا في هذه الحياة، وهذا هو الذي يفصل ما بيننا وبين غيرنا من البشر، الله -سبحانه وتعالى- له ولاية التكوين، والخلق، والتدبير، والقهر، والسيطرة على العباد، ومصير العباد إليه، وهو الولي الحق، الذي له الولاية على عباده، ولاية الملك والربوبية والألوهية، ولكن أيضاً في هذا الجانب في واقعنا نحن من ننتمي للإسلام، من ننتمي للإيمان، صلتنا بالله -سبحانه وتعالى- في إيماننا بهديه، وعندما نبني مسيرة حياتنا على أساس هديه وتعليماته نحظى أيضاً بولايته -سبحانه وتعالى- لنا في شؤوننا، وفي هديه وتدبيره لأمورنا وأمور حياتنا، في كافة مجالات هذه الحياة.

ولذلك الآخرون من البشر، ممن ليس لهم هذه الصلة الإيمانية والدينية بهدي الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته، هم تحت ولاية الله في ربوبيته، وفي ألوهيته، وفي مُلكِه، وفي مِلكِه، ومصيرهم إليه، ولكنهم يخسرون هذا الجانب؛ لأنهم لم يتصلوا بالله من خلال هديه، لم يصلوا أنفسهم بهدي الله -سبحانه وتعالى-، فيبنوا مسيرة حياتهم على أساس هديه وتعليماته، وهذه قضية خطيرة عليهم؛ لأن البديل عن ذلك كان هو الطاغوت، الطاغوت الذي يتحكم بهم في مسيرة حياتهم، الذي يأمرهم وينهاهم بناءً على ما يريده هو، قد يكون الطاغوت هذا عبارة عن مضلين تحت عناوين مختلفة، تحت عناوين مختلفة، يرجع إليهم البعض من البشر في شؤون حياتهم، في تدبير أمورهم، في إدارة شؤونهم، فيما يفرضونه عليهم، فيما يخططونه لهم، فيما يرتبون واقع حياتهم على أساسه، وناس من البشر طغاة زعماء من أهل الضلال، من أهل الباطل، من الذين يقدِّمون ما يقدِّمون على حسب مزاجهم، وأهوائهم، ورغباتهم، وطموحاتهم، ومشاريعهم، ودوافعهم، على اختلافٍ كبيرٍ في ذلك، ولكن ما يميز المنتمين للإسلام، المنتمين للإيمان، أنهم يصلون أنفسهم بهدي الله -سبحانه وتعالى-، الذي هو صلةٌ بينهم وبين الله -سبحانه وتعالى-.

ولهذا يأتي الحديث في الآية المباركة في قوله جلَّ شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، الانتماء الإيماني، والانتماء للدين الإلهي، هو انتماء يحظى به الإنسان بهذه الرعاية من الله -سبحانه وتعالى-، فيبني مسيرة حياته على أساس توجيهات الله وتعليماته وهديه، وتوجيهات الله وهديه من منطلق رحمته، بحكمته، بعلمه، وما يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- من تعليمات من توجيهات، ما يرسم لنا فيه مسيرة حياتنا هو الأقوم والأحكم والأفضل والأرقى والأعظم، وفيه الخير كله، الله يقدِّمه لنا وهو جلَّ شأنه الملك الحق المبين، فما يأتينا منه هو الحق، والله سبحانه ما يقدِّم لنا هو يقدِّمه لنا من منطلق رحمته وهو أرحم الراحمين، فما يأتينا منه فيه الرحمة لنا، وفيه الخير لنا، وفيه صلاح أمرنا وصلاح حياتنا، وفيه حلُّ مشاكلنا، ولهذا ما يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- هو أيضاً ما يرتقي بنا في واقع هذه الحياة، ما يرتقي بنا في أنفسنا، ما يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- هديه الذي تزكو به نفوسنا، الذي نستنير به في الظلمات، هدىً ونور نستضيء به في الظلمات، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فهذه الصلة بالله سبحانه وجلَّ شأنه كولي لنا -سبحانه وتعالى- يتولانا برعايته الشاملة، بما في ذلك: جانب الهداية، والتشريع، والتوجيه، ورسم مسيرة هذه الحياة، الله -سبحانه وتعالى- بهذه الولاية يرعانا، ينعم علينا، ما يأتينا من تعليمات منه لها هذه الميزة، هذه الأهمية، هذه القيمة: أنها حق؛ لأنها من الله الملك الحق، أنها من منطلق رحمة الله، وفيها الرحمة لنا، أنها من منطلق حكمته، وهو أحكم الحاكمين، ولذلك هي ما يجب أن ننظر إليه أنه الصواب والحكمة، وأنَّ غيره الخطأ، وما يأتينا أيضاً منه -سبحانه وتعالى- فيه أيضاً ما يفيدنا في هذه الحياة لحل مشاكلنا، ما تستقيم به حياتنا على أرقى ما يمكن بالنظر إلى واقع هذه الحياة.

وليس هذا فحسب، ليس هذا فحسب، مع هذا يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- رعاية تترافق مع استجابتنا لهذه التعليمات لهذه التوجيهات، يترافق معها وعود من الله -سبحانه وتعالى-: ألم يعد بالنصر؟ ألم يعد -سبحانه وتعالى- بالبركات؟ ألم يعد -سبحانه وتعالى- بالرعاية الشاملة، بالهداية، بالنور... بأشياء كثيرة؟ يترافق معها وعود، في هذه الحياة ما يتحقق لنا في هذه الحياة بناءً على استجابتنا العملية، على تفاعلنا مع هذه التوجيهات، على التزامنا بها، يترافق مع هذا رعاية واسعة في الدنيا، ثم في الآخرة الجنة، ورضوان الله -سبحانه وتعالى-، والسلامة من عذابه جلَّ شأنه، فتعتبر هذه الصلة بهدي الله -سبحانه وتعالى-، بتعليماته، بتوجيهاته، ورسم مسيرة الحياة على أساسها، تعتبر هذه المسألة هي من خلالها التي نجسِّد فيها التولي لله -سبحانه وتعالى-، أنما يأتينا منه من أمرٍ أو نهيٍ أو توجيهٍ أنه المطاع، وأنه الذي نسعى للالتزام به في هذه الحياة، وأننا نتجه في واقع حياتنا وفي مسيرة حياتنا على هذا الأساس: على أننا أمةٌ لها منهج، مسيرة حياتها قد رسمها لها الله -سبحانه وتعالى- لتتحرك على أساسها وعلى ضوئها، وأن هذا أمرٌ يمثل نعمةً عظيمةً علينا، نعمةً كبيرة، وعندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، يجب أن نستوعب ما تفيده هذه الآية المباركة والعظيمة والمهمة في نظرتنا إلى ما يعنيه كمال الدين بالنسبة إلينا، وأنه يتناول كل شؤون حياتنا: المجالات السياسية، المجالات الاقتصادية... كل مجالات هذه الحياة، دين الله، توجيهاته، هديه، تعليماته المباركة والحكيمة والرحيمة والقيِّمة والعظيمة تتناول كل ذلك، إضافةً إلى ما يضمن استمرارية هذه الرسالة بشكلٍ صحيح.

نلاحظ في قوله جلَّ شأنه: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، أنَّ كل تلك التوجيهات والتعليمات، وأنَّ هذا البرنامج الإلهي الذي رسمه الله لعباده المؤمنين ليبنوا عليه مسيرة حياتهم هو نعمة، نعمةٌ بأثره العظيم في أنفسهم، نعمةٌ بأثره المهم والمبارك في حياتهم، نعمةٌ فيما يتركه من أثر إيجابي في واقع هذه الحياة، فيما يمثِّله من حلول في واقع هذه الحياة، فيما يرسمه للإنسان في مسيرة حياته من أمور صحيحة، بنَّاءة، مثمرة ومفيدة ونافعة.

وعندما ننظر هذه النظرة: إلى أنَّ هذه نعمة عظيمة من الله -سبحانه وتعالى-، وأنَّ كمال الدين يتناول شؤون الحياة بكلها، ويشمل أيضاً ما يضمن استمرارية هذه الرسالة الإلهية وهذا المنهج الإلهي بشكلٍ صحيح، وبشكلٍ سليم، فعلينا أن ندرك أهمية هذه المناسبة، وأهمية هذا البلاغ في هذا الموضوع نفسه، كيف ذلك؟

الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- قال عنه الله -سبحانه وتعالى- في الآية المباركة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، وهو قال أيضاً في النص النبوي في البلاغ في يوم الغدير، في يوم الولاية: (إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم)، الموقع الذي للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وهو عبدٌ لله -سبحانه وتعالى-، وهو على رأس المؤمنين، هو أعظمهم إيماناً، وطاعةً لله -سبحانه وتعالى-، وعبوديةً لله -سبحانه وتعالى-، والتزاماً بمنهج الله جلَّ شأنه، وتجسيداً لتلك المبادئ والقيم العظيمة والمهمة، هو له دورٌ محوريٌ في التحرك بالأمة على أساس هذه المنهج الإلهي، هو بلَّغه إلى الناس، وهو أيضاً جسَّده والتزم به وتحرك به لتنفيذه في واقع هذه الحياة، هو في موقع القدوة والقيادة والهداية في هذا المشروع الإلهي، وهذا البرنامج الإلهي، وأدَّى دوره بنجاحٍ كبير، وعلى مستوى عظيم جدًّا، أشاد الله به كثيراً في القرآن الكريم، كم كان حريصاً على هداية الناس، كم بذل من الجهود، كيف كان أداؤه على مستوى عالٍ جدًّا في تبليغ هذه الرسالة، في الالتزام بها، في تقديمها كما ينبغي، وحقق الله على يديه النجاح الكبير، لكن الخطورة الكبيرة، والحساسية الكبيرة هي لما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، فيما يتعلق بمستقبل هذه الأمة، في هذا الدور المحوري الذي يرتبط بهذا المنهج نفسه، في الحركة بالأمة على أساسه.

النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- مع اقتراب وفاته أيضاً هو حريص على هذه الأمة، وعلى مستقبل حياتها، وعلى مستقبلها المهم جدًّا والحسَّاس والخطير، ولكنه لن يكون أرحم من الله، الله هو العالم بعباده، وبمستقبلهم، وبشؤونهم، وله سنته مع عباده، الله -سبحانه وتعالى- هو أتى بهذا الأمر إلى النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في هذه الآية المباركة التي يقول فيها: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، ليأمره بإعلان هذا البلاغ العام، مع ما سبقه أيضاً من حديث، من إشارات، من توضيحات لهذه المسألة فيما يتعلق بالإمام عليٍّ -عليه السلام-.

ولكننا نلحظ هنا في هذه المسألة بالتحديد، في هذا الموقع، في هذه المرحلة الحسَّاسة والمهمة: أنَّ النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- اتجه لإعلان هذه المسألة وتقديمها بأرقى مستوى من التقديم، بأرقى مستوى من التقديم، ولذلك- كما أشرنا في خطابات سابقة- حسم كل جدال، وكل خلاف، وكل كلام فيما بقي من أيام حياته، تلك الفترة الوجيزة، وهدأت الساحة بشكلٍ تام.

لا يمكن للمسيرة الإلهية الدينية والإيمانية أن تكون فقط مؤقتةً بعصر النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ثم يترك الأمة بعد وفاته في فراغٍ كبير، وفراغٍ خطير جدًّا، يمكن أن تختلف فيه الأمة على كل شيءٍ في هذا الدين: على العقائد، على التشريعات، على العبادات، على المعاملات، وأن يختلف المفهوم لديها فيما يعنيه هذا الدين في كثيرٍ من جوانب هذه الحياة، وأكثر من ذلك: المسألة خطيرة جدًّا، إذا غاب هذا الدور المحوري للنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في الحركة بالأمة على أساس هذا الدين، على أساس هذه المسيرة الإيمانية؛ فالأمة معرَّضةٌ لخطورةٍ بالغة، هذه الخطورة تتمثل بجانبين حساسين جدًّا: هما النقص والتحريف، تتعرض المسيرة الإيمانية لتحريف كبير، وتتعرض أيضاً للنقص.

ولذلك في الآية المباركة في قول الله -سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، أنَّ كمال الدين وتمام النعمة كان أيضاً بما يضمن استمرارية هذا المنهج الإلهي بشكلٍ صحيح، سالمٍ من التحريف، وسالمٍ من النقص، ثم إذا غاب هذا الجانب الأساسي الذي كان به كمال الدين- وهو ما احتواه البلاغ في ذلك اليوم- فلا يمكن لهذه المسيرة أن تستمر إلَّا وتكون ناقصة ومحرَّفة، لا يمكن للأمة أن تتجاهل هذا المبدأ إلَّا وتتجه إلى النقص، وإلَّا وتكون مسيرتها الإيمانية ناقصة، ويدخلها التحريف، وإذا دخلها النقص ودخلها التحريف، فالنقص الذي يدخل فيها ليس نقصاً بسيطاً، ليس نقصاً لمسألة هامشية، ليس نقصاً في مسألة عادية؛ إنما هو نقصٌ في أمرٍ جوهريٍ ورئيسي، يترك تأثيره السلبي في فاعلية بقية الرسالة الإلهية في واقع الأمة، وهو ما هو واضحٌ وجليٌ في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.

الله -سبحانه وتعالى- على مستوى التبليغ قد أكمل هذه الرسالة، وأتم النعمة، وأكمل هذا الدين، وكان كماله وتمامه بهذه المسألة الجوهرية التي تضمن استمراريته بشكلٍ صحيح على مستوى التبليغ، وعلى مستوى التطبيق، فإذا أتت الأمة هي من جانبها لتنقِّص، وتنقِّص ماذا؟ المسألة هذه الجوهرية، التي هي مسألة ضامنة لسلامة الاستمرارية بشكلٍ صحيحٍ وتام وكامل، فهذا النقص الجوهري والخطير كما هو يؤثر على مسألة التقديم للدين بشكلٍ كاملٍ وصحيح، يؤثر أيضاً في واقع الأمة، هذا النقص سيأتي إلى واقع الأمة بخلل كبير جدًّا، نقص في قضايا جوهرية، في قضايا أساسية، بها حيوية هذا الدين، بها فاعلية هذا الدين، بها ما يضمن لهذه الرسالة الإلهية أن تستمر ليس من موقع النبوة، وإنما من موقع الولاية، من هذا الموقع الذي قال فيه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، الذي قال فيه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-: (فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)، هنا الدور المتعلق بولاية الإمام علي -عليه السلام-، ما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- يواصل هو التحرك بالأمة، التحرك بالمؤمنين على أساس هذه المسيرة الإيمانية والدينية، على أساس هذا المنهج الإلهي العظيم، وهو في موقع القيادة والهداية، وبما يضمن بقاء واستمرارية تقديم هذا الدين، واستمرار هذه المسيرة الإلهية بشكلٍ صحيحٍ في ما تقدّم فيه، في مضمونها، في عملية التبليغ لها، في عملية التقديم لها، في عملية التعليم لها، وفي عملية إقامتها في واقع هذه الحياة على مستوى التطبيق والعمل، وهذا دورٌ مهمٌ جدًّا، ودورٌ أساسيٌ جدًّا، وفي نفس الوقت حسَّاس، ومن الطبيعي أن يكون حساس، لماذا؟ لأن هذا المفهوم القرآني، وهذه الطريقة الإلهية التي اعتمدها الله -سبحانه وتعالى-، كما هي تضمن الاستمرارية الصحيحة والسليمة والكاملة والتامة للمسيرة الإلهية، هي التي تسد الثغرة أمام كل الجائرين والضالين والمبطلين مِنْ تبوؤ هذه الدور الذي يؤثر- إن تبوؤه- سلباً على مسيرة الإسلام بكلها، وهذه المسألة ينزعجون منها غاية الانزعاج؛ لأنهم يريدون لهذا الدين: إمَّا أن يكون مجرد طقوس وشكليات، ولا يبقى منهجاً لحياة الأمة تعتمد عليه في مسيرة حياتها بشكلٍ كامل، وإمَّا أن يكون عناوين يستغلونها هم، ويكون الفراغ الكبير الذي تركه غياب هذا المبدأ بالشكل الذي يتيح لهم أن يتدخلوا هم، وأن يقدِّموا هم أنفسهم المعنيين بتقديم هذا الدين للأمة، وبإدارة شؤون هذه الأمة على أساسه، وهذه هي المسألة الخطيرة التي أضرت بالأمة كثيراً.

عندما نلاحظ ما تعاني منه الأمة في واقعها، نستطيع القول: أنها عانت من النقص، النقص الذي ترتب على غياب هذا المبدأ في واقع الحياة إلى حدٍ كبير، فأصبحت جوانب كثيرة من شؤون حياتها لا تدار على أساس مفاهيم هذا الدين العظيم، هذه النعمة الكبيرة، هذا الدين الذي قال عنه الله: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، جوانب كثيرة عندما دخل النقص في عملية تقديم هذا الدين، وفي عملية تطبيق هذا الدين في واقع الأمة، كانت النتائج سلبية في واقع الأمة، كم ترك هذا من مشاكل سياسية، ومشاكل اجتماعية، ومشاكل اقتصادية؟ كم أتاح المجال، وكم تهيأ للطغاة والجائرين والمتسلطين أن يسعوا إلى يفرضوا أنفسهم على هذه الأمة، وأن يتحكموا بها، وأن يفرضوا هم ما أرادوا عليها؟ ولم تبق المسألة عند هذا المستوى فحسب، بل ترك هذا الفراغ الكبير نتائج سلبية في واقع الأمة، جعل البعض من أبناء الأمة يتجه إلى إيجاد بدائل، وهذه البدائل من أين يذهبون لها؟ من أين يسعون للحصول عليها؟ إلى من يتجهون في الحصول عليها؟ إلى أعداء الأمة بأنفسهم، فتتحول المسألة إلى مسألة خطرة للغاية، أن يتجه بعض أبناء الأمة إلى اليهود والنصارى، وأن يقبلوا بولاية أمر اليهود والنصارى على هذه الأمة، وأن يروا في ذلك الحل لمشاكل هذه الأمة؛ لأن هناك مشاكل كبيرة في واقع الأمة، يرى البعض أنَّ الحل لها في الاتجاه إلى الغرب، في أن نقبل بولاية أمر أمريكا، في أن نقبل بولاية أمر إسرائيل، في أن نقبل بولاية أمر الغرب، في أن نذهب إليهم للحصول على رؤى من عندهم، أفكار من عندهم، برامج عمل من عندهم، حلول لمشاكلنا من عندهم... وهكذا تكون حالة النقص الخطرة جدًّا، وحالة التحريف السيئة جدًّا من الأسباب التي تبني واقعاً مختلاً في داخل الأمة، واقعاً غير صحي، واقعاً نستطيع القول عنه: أنه واقع مرضي على المستوى التربوي والأخلاقي والفكري والثقافي، واقع مأزوم، وواقع مليء بالمشاكل، ونجد فيه الاختلال الكبير على المستوى التربوي والأخلاقي، فتأتي حالة الانحراف وتكبر وتعظم من بعض أبناء الأمة، تنمو حالة النفاق، يتجه البعض من أبناء الأمة هم من أنفسهم لاتخاذ اليهود والنصارى أولياء، يصبحون مهووسين ومعجبين ومغرمين بما عليه أولئك، أو ما يأتي من أولئك.

يرى فيما يمكن أن يأتينا من رؤى من الأمريكيين، أو من الأوروبيين، أا لئك أو  من رؤى من الأمريكيين و من غيرهم من اليهود والنصارى، من رؤى، من مفاهيم، على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الاجتماعي، أنها رؤى عظيمة، ورؤى مهمة، ورؤى حضارية، ورؤى تصلح واقع الحياة، ورؤى تمثل حلاً لمشاكل هذه الحياة؛ لأنه عندما يغيب ذلك المنهج العظيم عن واقع الحياة في هذه المجالات المهمة والأساسية، يتجهون لإيجاد بدائل، وهذه البدائل يكون حالها كذلك.

فالله -سبحانه وتعالى- من جانبه هو أكمل دينه، أكمل دينه كمنهج، وأكمل دينه بما يضمن استمرارية هذا المنهج بشكلٍ صحيح، وهو يقدَّم وبشكلٍ صحيح فيما مقام العمل به في واقع الأمة، أكمله بهذه المسألة، بهذا المبدأ العظيم: بمبدأ الولاية، الإمام عليٌّ -عليه السلام- ما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- يؤدِّي هذا الدور في تقديم هذا الدين، والسعي لتطبيقه في واقع الأمة بشكلٍ صحيح، وبشكلٍ كاملٍ وتام، بدون نقص ولا تحريف، وهذا ما تفتقر إليه الأمة اليوم لحل مشاكلها.

نحن بحاجة إلى أن نعيد صلتنا هذه، هذه الصلة التي تربطنا بالمسيرة الإلهية، بالمسيرة الإيمانية الدينية بشكلها التام، بشكلها الصحيح، بدون نقص وبدون تحريف، وألَّا نبحث للبدائل عن ذلك من هنا وهنا من جانب أعدائنا، لن يأتينا من جانب أعدائنا إلا ما هو شرٌ لنا، وخطرٌ علينا، وضرٌ في واقعنا، وما لا ينسجم مع انتمائنا لهذا الدين العظيم، لهذه الرسالة الإلهية العظيمة. ثم إذا أردنا أن نقفز وألَّا نتصل بهذه الصلة؛ فلن يكون أمامنا إلَّا الاختلاف، وهذا ما حصل في واقع الأمة: الاختلاف الكبير، التضارب الكبير فيما يقدَّم باسم الدين من مفاهيم، من عناوين، وتصبح المشكلة كبيرة في واقع الأمة.

فنجد من خلال هذه النصوص القرآنية المباركة والمهمة أهمية هذه المسألة على مستوى الدين؛ لضمان استمراريته بشكلٍ صحيح، ولضمان قيامه في واقع الأمة بشكلٍ صحيحٍ وسليم، ثم على مستوى أثره في واقع الأمة، دين الله -سبحانه وتعالى- بشكله الحقيقي هو نعمةٌ عظيمة، هو التوجيهات والهداية الإلهية التي أتتنا برحمة الله، وبحكمته، وبهدايته، وبتوفيقه، وبعلمه، وأيضاً يتصل بها رعاية إلهية مباشرة، عون من الله، ونصر من الله، وبركات من الله، وتأييد من الله، ورعاية شاملة من الله، ولكن هذا كله إذا تحركنا وفق ما رسمه الله -سبحانه وتعالى- لنا، إذا لم يبق لنا هذا الاتصال بشكل صحيح بهذا المنهج الإلهي، فالمسألة خطيرة جدًّا، لم نعد نستشعر أنها نعمة؛ لما نفقده منها في واقع حياتنا؛ لأن النقص في الجانب الجوهري أضاع هذه النعمة في أثرها في الحياة، فتصبح هذه الأمة أمة ضعيفة، أمة مليئة بالمشاكل والنزاعات والخلافات، أمة لا تبني واقعها وترتقي على المستوى الحضاري بناءً على هذا المنهج الإلهي؛ وبالتالي أمة ضعيفة أمام أعدائها، وأتى قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، ليبين لنا ذلك، بما أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قد أكمل دينه، وبما يضمن استمراريته بشكلٍ صحيح، وجعله نعمةً بكل ما تعنيه هذه العبارة في أثره العظيم في واقع حياتنا، وحل مشاكلنا، وصلاح حالنا، وصلاح أنفسنا، لكن تبقى المسؤولية علينا نحن: أن نتجه لنتولى الله -سبحانه وتعالى- بهذا المفهوم العظيم، بهذه الصلة من كل واقع حياتنا، لنسير على منهجه كما رسم هو -سبحانه وتعالى-، ولنقيم هذا المنهج في واقع حياتنا كما رسم هو -سبحانه وتعالى-، وكما قدَّمه جلَّ شأنه لنا، وأن نحرص أيضاً في سيرنا على أساس هذا المنهج العظيم أن تكون صلتنا بولاية الله -سبحانه وتعالى- هي هذه الصلة، التي تضمن لنا سلامة وصول هذا المنهج إلينا، وسلامة تطبيقه في واقعنا.

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، وهنا في الآية قدَّم الإمام علي بمواصفاته الإيمانية الراقية، وقدَّمه في حديث الغدير باسم وشخصه، بالاسم والإشارة بشكلٍ مباشر، ثم يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، لا تكتمل للأمة المنظومة الإيمانية والدينية الكاملة، ولا يكتمل لها المنهج الإلهي في واقع حياتها بشكلٍ صحيح على مستوى التبليغ، وعلى مستوى التطبيق، إلَّا بمبدأ الولاية، وهو الذي يحقق لها كل ذلك، ويترتب عليه هذه النتائج المهمة: أن تتم النعمة في أثرها في واقع الحياة، وأن يكتمل للأمة ما تسعى إليه من أن تكون أمةً عظيمةً، وأمةً قويةً، وأمةً في مستوى مواجهة التحديات والأخطار، وفي مستوى الغلبة لأعدائها.

الأمة ستعيش حتماً حالة الصراع، وحالة الاستهداف، من أبرز مظاهر النعمة الإلهية، ومن أهم ثمرات مبدأ الولاية الإلهية، ومن أهم تجليات ونتائج الالتزام بالمنهج الإلهي: أن تكون هذه الأمة قوية ومنتصرة، وأن تغلب أعداءها، وهذا فقدته الأمة إلى حدٍ كبير، مما دفع بالكثير من أبناء الأمة أو بالبعض منهم إلى أن يتجهوا اتجاهاً آخر: باتخاذ اليهود والنصارى أولياء. الذين يوالون أمريكا اليوم من أبناء الأمة، هم يتناقضون تماماً مع هذا المبدأ العظيم، يتخذون أعداء الإسلام أعداء الأمة أولياء، بدلاً من أن يوالوا الله -سبحانه وتعالى-، بدلاً من الإيمان بولايته -سبحانه وتعالى-.

فنجد هنا في قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، ضمانةً إلهية، ووعداً مؤكداً من الله -سبحانه وتعالى-، أن تكون هذه الثمرة ثمرة التولي لله -سبحانه وتعالى- وفق هذا المفهوم القرآني العظيم، الذي يصلنا بمنهج الله بشكلٍ صحيح، بدون نقصٍ ولا تحريف.

خلاصة المسألة أنَّ الأمة عانت إلى حدٍ كبير في واقعها من مشكلة النقص والتحريف، وأنَّ هذا النقص في التولي لله، ولرسوله، وللإمام علي -عليه السلام- وفق هذا المفهوم القرآني، أثَّر عليها في مستوى وعيها وفهمها لهذا المنهج الإلهي، وفي مستوى تطبيقها الصحيح لهذا المنهج الإلهي، وأنَّ هذا النقص الجوهري أثَّر عليها تأثيراً كبيراً في واقع حياتها، في الحصول على ثمرة هذا الالتزام بالمنهج الإلهي كنعمة يتحقق للأمة من خلاله كل آثار هذا الدين، ونتائج هذا الدين العظيمة، الآثار المباشرة لهذا الدين في قيمة توجيهاته، فيما يتحقق به من عدل، فيما يتحقق به من خير، فيما يسمو به الإنسان في نفسه، ويزكو، ويهتدي، ويستنير، فيما تصلح به الحياة، فيما يتحقق في واقع هذه الحياة من نصر وبركات وخيرات... إلى آخر ما يترتب على ذلك من الرعاية الإلهية الواسعة، ثم في الآخرة أيضاً.

كذلك نجد أيضاً أنَّ التأثير السلبي لغياب ونقص هذا المبدأ الجوهري في مدى تفاعل الأمة معه، أثَّر على هذه الأمة بشكلٍ كبير في فهمها للدين، وفي اختلافها على هذا الدين، وعلى مفاهيم هذا الدين، مما أثَّر عليها بشكلٍ كبير؛ حتى غيَّر البعض نظرتهم إلى هذا الدين، فلم يعودوا يروا فيه أنه نعمة، بل يرى البعض فيه أنه عبئ، وينشغل البعض بكل جهدهم وبكل اهتمامهم في البحث عن بدائل عن هذا الدين في شتى مجالات الحياة، مما يزيد الأمة شقاءً وخسراناً، ويمكِّن أعداءها منها.

سدُّ هذه الثغرة في البحث عن بدائل من هنا وهناك، بدائل تمكِّن أعداء هذه الأمة من رقاب هذه الأمة، من السيطرة على هذه الأمة، بدائل تذهب بالبعض من أبناء هذه الأمة- بالرغم من انتمائهم إلى هذا الدين- إلى أن يستوردوا من أعداء الأمة ما يعتمدون عليه في مسيرة حياتهم بإعجاب، باندهاش، بتفاعل، بنظرة غريبة جدًّا، غير صحيحة وغير واقعية؛ لأن ما يأتينا من الأعداء ليس إلَّا ضاراً لنا، لا يخدمنا، ولا يصلح لحياتنا، ولا يفيدنا في واقع حياتنا، ولا يبنينا أمةً عظيمة، أمةً لها شرف الانتماء لهذا الدين، للرسالة الإلهية بكل ما تمثله من شرفٍ كبير، ومن خيرٍ عظيم في الدنيا والآخرة.

فالآيات القرآنية بمجموعها: في آية البلاغ، وفي نص البلاغ أيضاً (النص النبوي من النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-)، وفي آية الولاية في سورة المائدة، وفي النص القرآني المبارك: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، كل هذا يبيِّن لنا أهمية هذه المسألة، وأن نجعل من هذه المناسبة محطةً لترسيخ هذه المفاهيم القرآنية، وللسعي نحو إعادة هذه الصلة من خلال التولي لله ولرسوله وللذين آمنوا، وفق هذا المفهوم القرآني الذي يعزز ارتباطنا بشكلٍ صحيح وبشكلٍ تام بهذه الرسالة الإلهية، وبهذا المنهج الإلهي؛ وبالتالي نحظى بولاية الله -سبحانه وتعالى- وبرعايته، بولايته هدىً ونور، بولايته نصراً، بولايته بركات، وبولايته أيضاً رعاية شاملة لنا في مختلف شؤون حياتنا، ورعاية منه -سبحانه وتعالى- ورحمةً منه جلَّ شأنه في الدنيا وفي الآخرة، هذا ما يجب أن نستوعبه من هذه النصوص المباركة، وأن نجعل من هذه المناسبة محطةً مهمةً لترسيخه في واقع حياتنا.

وولاية الله -سبحانه وتعالى- كما نجد في النصوص القرآنية- جذَّابةٌ جدًّا، ولا يوجد بديلٌ عنها إلَّا ولاية الطاغوت، وولاية الطاغوت هي امتداد لولاية الشيطان، هي خسرانٌ في هذه الحياة، إنَّ ما يفيدنا كأمةٍ مسلمة، وحتى على مستوى أي مجتمع، أو أي مستوى من أبناء هذه الأمة، أي فريق من أبناء هذه الأمة يتجه هذا الاتجاه، فهو الاتجاه الصحيح، وآيات الله فيه واضحةٌ وجليةٌ وبيِّنة، ووعود الله فيه -سبحانه وتعالى- وعود صريحة ومؤكَّدة وبيِّنة. ومن يتحرج هو من يتجه نحو الطاغوت، أو نحو اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، نحو السعي لإيجاد بدائل عن منهج الله -سبحانه وتعالى-، عن هديه، عن تعليماته، مما هي مستوردة من قوى الطاغوت والشر والاستكبار في هذا العالم، هم من هم في الموقف المحرج، المخزي، السيء جدًّا، الضار بأنفسهم، والضار بأمتهم.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفِّقنا لأن نكون ممن يتولاه، ويتولى رسوله، ويتولى الإمام عليًّا -عليه السلام-، ويتولى أعلام الهداية، وأن يصلنا بهديه بتوفيقه ونوره، وأن يوفِّقنا للعمل بما يرضيه، إنه سميع الدعاء، ونسأله جلَّ شأنه أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ